محمد صلى الله عليه وسلم رحيما: وصفه ربه بقوله
:{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)}الأنبياء، فهو رحمة للبشرية.. ورد عنه أنه
قال
:" إنما أنا رحمة مهداة" أخرجه
الدارمي 15 مرسلا، والحاكم موصولا عن أبي هريرة برقم 100 وصححه. ورأى ولد إحدى
بناته تفيض روحه، فبكى، فلما سئل عن ذلك قال
:" هذه
رحمة يضعها الله في قلب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباه الرحماء" أخرجه
البخاري [ 1284، 6655] ومسلم 923 عن أسامة بن زيد رضي الله عنه.
وكان رحمة على القريب والبعيد، عزيز عليه أن
يدخل على الناس مشقة، فكان يخفف بالناس مراعاة لأحوالهم، وربما أراد أن يطيل في
الصلاة فيسمع بكاء الطفل فيخفف لئلا يشق على أمه. ولما بكت أمامة بنت زينب ابنته
حملها وهو يصلي بالناس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها. أخرجه البخاري 516، ومسلم543 عن أبي قتادة رضي
الله عنه.
وسجد مرة
فصعد الحسن على ظهره، فأطال السجود، فلما سلّم اعتذر للناس وقال
:" إن إبني هذا ارتحلني، فكرهت أن أرفع رأسي حتى
ينزل" أخرجه أحمد 27100 والنسائي 1141 عن شداد بن الهاد رضي الله عنه.
وقال
:" من أمّ منكم الناس فليخفف، فإن فيهم الكبير
والصغير والمريض وذا الحاجة" أخرجه البخاري 703 ومسلم 467 عن أبي
هريرة رضي الله عنه. وقال لمعاذ لمّا طوّل بالناس
:"
أفتّان أنت يا معاذ؟" أخرجه البخاري [ 705، 6106] ومسلم 465 عن جابر
بن عبدالله رضي الله عنه. وقال
:" لولا أن أشق على
أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" أخرجه البخاري 887 ومسلم 252 عن
أبي هريرة رضي الله عنه. وربما ترك العمل خشية أن يفرض على الناس، وكان يتخوّل
أصحابه بالموعظة...
كل ذلك رحمة منه صلى الله عليه وسلم، وكان يقول
:" والقصد القصد تبلغوا" أخرجه البخاري 6463
عن أبي هريرة رضي الله عنه. ويقول
:" بُعثت
بالحنيفية السمحة" أخرجه أحمد 21788 عن أبي أمامة رضي الله عنه. ويقول
:" خير دينكم أيسره" أخرجه أحمد 15506 وانظر
مجمع الزوائد 3\308. ويقول
:" عليكم هدياً قاصداً"أخرجه أحمد [ 22454، 22544] والبيهقي في السنن الكبرى 4519 عن بريدة الأسلمي،
وانظر البيان والتعريف 2\109. ويقول
: خذوا من العمل ما
تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا" أخرجه البخاري 5862 ومسلم 782 عن
عائشة رضي الله عنها. وما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وأنكر
على الثلاثة الذين شدّدوا على أنفسهم في العبادة، وقال
:"
والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكنني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، فمن رغب عن
سنتي فيس مني" أخرجه البخاري 5063 ومسلم 1401 عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وأفطر في
سفر في رمضان، وقصر الرباعية، وجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في
السفر، ونادى مؤذنه في المطر أن صلوا في رحالكم، وقال
:"
هلك المتنطعون" أخرجه مسلم 2670 عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
وقال
:" ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من
شيء إلا شانه" أخرجه مسلم 2594 عن عائشة رضي الله عنها. وأنكر على
عبدالله بن عمرو بن العاص إرهاق نفسه بالعبادة، ويقول
:"
إيّاكم والغلو" أخرجه أحمد [ 1854، 3238] والنسائي 3057، وابن ماجه
3029 وابن أبي عاصم في السنة 1\46 عن ابن عباس رضي الله عنهما وصححه. ويروى عنه
قوله
:" أمتي أمة مرحومة" أخرجه أحمد [
19179، 19253] وأبو داود 4276 والحاكم 8372 عن أبي موسى رضي الله عنه وصححه.، وقال
:" إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" أخرجه
البخاري 7288 ومسلم 1337 عن أبي هريرة رضي الله عنه. وهذا اليسر في حياته عليه
الصلاة والسلام يوافق يسر الملة وسهولة الشريعة، وهو امتثال منه صلى الله عليه
وسلم لقول ربه
:{ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (} الأعلى،
{لاَ
يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ
وُسْعَهَا } البقرة 286،
{فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } التغابن 16،
{ يُرِيدُ
اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } القرة 185،
{ وَمَا
جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج 78.. وغيرها من الآيات.
فهو صلى الله عليه وسلم سهل ميسّر رحيم في
رسالته ودعوته وعبادته وصلاته وصومه وطعامه وشرابه ولباسه وحله وترحاله وأخلاقه،
بل حياته مبنية على اليسر؛ لأنه جاء لوضع الآصار والأغلال عن الأمة، فليس اليسر
أصلا إلا معه، ولا يوجد اليسر إلا في شريعته، فهو اليسر كله، وهو الرحمة والرفق
بنفسه، صلى الله عليه وسلم.